
(1) لأربعين سنة خلون وبالتحديد في أكتوبر 1976 أصبحت مشرفا على صفحة "آفاق ثقافية" الأسبوعية بصحيفة "الفجر الجديد" بطرابلس، وأضفت على اسم الصفحة مصطلحا آخر حيث غدت "آفاق ثقافية- كتابات شابة"، وكنتُ في الحادية والعشرين من العُمر وجئت الصحيفة كمُشرف، وحينها كان رئيس التحرير عبد الرحمن شلقم قد تخرج عندها من جامعة القاهرة، ولما قدمتُ له مشروع الصفحة، كنتُ وثلة من الزملاء الأصدقاء قد توافقنا أن تكون ثمة صفحة ثقافية للكتاب الشباب، اغتنم رئيسُ التحرير الفرصة وفتحَ باب الجريدة لكتيبة الشباب وكأنهُ عدهم عاضديه، ولعلي خوفا من أي التباس كتبتُ افتتاحية العدد الأول من الصفحة تحت عنوان: "كتاباتٌ شابة لا كتاب شباب"، فلم نكن كتيبة بل حديقة ستثيرُ الكثير من لغطٍ ساعة بزوغها وحين يكتب أحدنا روح شعار ماو تسي تونغ: دع مئة زهرة تتفتح. شعراء السبعينات وكتابها من كانت "آفاق ثقافية- كتابات شابة" بيانهم وحائطهم هم من أعادوا الروح للشعرية والكتابة النثرية وانتشلوها من هيمنة الواقعية والسياسة، ومنها غدوا المهد للأصوات الإبداعية والفنية في الثمانينات والتسعينات من القرن العشريني، وانفرد كل منهم بصوت خاص ومميز وجعلوا من اللغة كمنزلة للوجود فأمسى النص واللغة سيان، وفي ذلك لم يكونوا صدى للتجربة العربية بل ارتبطوا بوشائج بجيل الستينات الليبي المفارق، كما في تجربة الصادق النيهوم وعلى الرقيعي، أما وشجيتهم المسكوت عنها فإنها تجلت بحالة كما سريان الماء الجوفي في شريان الأرض، واصطبغت بهدوء البراكين الخامدة التي تجسدت حية في الشاعر علي صدقي عبد القادر، من يبدو أنه جيل الشعر الليبي المعاصر، فقد بدا كلاسيكياً مُحدثاً، فالرومانتيكي وصار شاعر الحداثة، وكاتب قصيدة النثر، لقد تجاوز عمره الثمانين بسنوات حين توفي منذ سنوات، لكنه كتب بجسارة قصيدة النثر في تسعينات القرن العشرين بنثرها وتبعثرها ويوميتها وغرائبيتها واعتيادها: مسألة التجربة الإبداعية الأولى للمُبدع التي كانت الدافع وراء هذا الكتاب، هي مسألة تبين أن المبدع عند البدء حالة مفارقة تستدعى العناية الخاصة من يطرق بابي من؟ القرن الواحد والعشرون يا قرن الواحد والعشرين. بقلبي كلمات أمهلني آلاف قرون أخرى كي أكتبها. ولعل ما يلفت الانتباه لهذا الشاعر (تحطيم أسطورة الجيل)، فهو ينتمي لتجربته وخصوصيته دون حدود (جيل أو مدرسة)، إنه (الـ) الشعر الليبي الحديث. هل يمكن اعتبار هذا إنكارا لما هوية الكاتب الشاب، ونزع تأثير الجانب البيولوجي في المسألة الإبداعية بمعنى ما أن المبدع خارج عن الزمن، فرامبو شاعر الحداثة الفرنسية والغربية تقريبا أبدع كل ما أبدع في فترة وجيزة في عشرينيات العمر ثم انطفأ، وعلى الرقيعي مات كما أبو القاسم الشابي في ريعان الشباب، السؤال: هل المبدع لا يمر بمراحل لأن الإبداع إبداع، فإما جميل أو غير جميل؟، تبدو الأسئلة حامل السذاجة وليست من أطروحات الآداب والفنون، وأنها تخص السيسيولوجيا، لكنها لذا السبب توجب أن تطرح فالكتاب ما بين يديك " أنطولوجيا كتابات الليبيين الشباب"، ومسألة الكتابات الأولى للمبدع من طروحات النظرية الأدبية والخطاب النقدي بغض النظر عن تعدد المناهج ، أما المدرسة الانطباعية فالنصوص الأولي فاتحة الكلام للمبدع بل وأنه الإبداع ما قد يجبُّ عندها منتوج شيخوخته كما نظرها لبواكير غوته وعدها يانعته الإبداعية، غير أن هناك النصوص التي يأخذ الشاعر مثلا في نسجها العمر كما في الملاحم، وكما المعلقات الشعرية العربية الشهيرة، كما يبدو في إيجاز أن النص الإبداعي يُضمر الاستشكال في كل تموضعاته، أي من المهد إلى المهد فهو لا يموت ولكن يُعاد ميلاده، فلكل قارئ قراءة. والنظرة التي تخص باكورة المنتج تبدو حينا أبوية حيث تعد الخبرة كما ميزان يفهرس النصوص ومعيار للنص، فما دمنا قد عرفنا أن الكاتب شاب في مقتبل العمر فهذا يستدعي ويستوجب نظرة مخالفة للنص، الغريب أن المبدع ذاته في عمر متقدم ينظر ذات النظرة لنصه، ولهذا بعض المبدعين حذفوا من الببليوغرافي خاصتهم عنوانا أو أكثر من البواكير كما فعل شاعر المهجر إيليا أبو ماضي والشاعر الفلسطيني محمود درويش وغيرهما، فيما أن البحاث ينبشون عن البواكير ويجمعونها من شتات النشر كما فعل مثلا مع بواكير الشاعر العراقي بدر شاكر السياب. لعل ما تقدم يُبين أن مسألة التجربة الإبداعية الأولى للمُبدع التي كانت الدافع وراء هذا الكتاب، هي مسألة تبين أن المبدع عند البدء حالة مفارقة تستدعى العناية الخاصة، من منطلق أن المرء في حالته في طور التعلم، والإنشاء الأول إن نبغ يُلفت النظر، ويستدعي من الخطاب النقدي درجة من الخصوصية تتسم بنوع من التعاطف الذي يوجبهُ "بارت" عند نقد النص ما صيرورته تمكن الناقد من الدرجة الصفر للنص. من مقدمة الكاتب احمد الفيتوري
Authors


المكّي أحمد المستجير، كاتب ليبيّ، من مدينة درنة، ولد بمكّة المكرّمة؛ ولذلك عُرف بالمكّي. بكالوريوس طبّ وجراحة عامّة من جامعة طرابلس، بليبيا. ويعمل بإحدى مستشفيات العاصمة الليبيّة. بالإضافة إلى إدارة مركز "تمّعن" للأبحاث والدراسات الإنسانيّة، التابع لـ"المدرسة المستجيريّة" بليبيا. كتب الشّعر الفصيح، والمقالة، والقِصّة القصيرة. وله اهتمامات فلسفيّة وفكريّة. وعاش تجربة السجن مرّات عديدة في ليبيا، والمنفى الاختياريّ (تونس) بسبب بعض كتاباته ومواقفه. نشر نتاجه الأدبي والثقافي في عَدَدٍ من الصحف والمجلات الورقية والالكترونيّة، المحليّة والإقليميّة، من بينها : الأسوة الحسنة، وطني، برنيق، مِداد، النّهار، الرّحمة المُهداة، ليبيا المستقبل، هنا صوتك (موقع إذاعة هولندا العالميّة)، هنا ليبيا، أوسان (أمازيغي)، ميننكس التونسيّة، السفير اللبنانية، الجمهورية المصرية، وغيرها. باحث متعاون مع برنامج مسارات الشرق الأوسط، بمعهد الجامعة الأوربيّة، فلورانسا – إيطاليا. عمل عضوا بهيئة تحرير بمجلة الأسوة الحسنة 2008 - 2010، ونائب فرقة غفران للأعمال الفنية والمسرحية منذ 2010. حضرَ وشاركَ في العديد من المهرجانات الثقافية والأمسيات الشّعريّة المحليّة والعربيّة، من بينها : ملتقى الشباب العربي - بيروت عام 2012، مهرجان مصراتة للشعر الفصيح عام 2012، الدورة الخامسة لمهرجان الجيلاني طريبشان الثقافي بالرجبان عام 2013، الملتقى المغاربي للشّعر العربي بتطاوين تونس عام 2013، أمسية شعرية بمعرض طرابلس الدولي للكتاب في دورته الثالثة عشرة عام 2013. أمسيّة شعريّة بمعرض القاهرة الدوليّ للكتاب، في دورته 47 – 2016. حائز على وسام (البُردة) لحصوله على الترتيب الأوّل في مهرجان طرابلس الدُّولي للمديح النّبوي في دورته التاسعة، عام 2008. تحصّل على (درع الإعلام الخارجي) لتمثيله ليبيا، في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته 47 لسنة 2016.

كاتب وروائي ليبي، من مواليد العاصمة طرابلس، ومقيم حالياً في ألمانيا، متحصل على شهادة في علم البايوتيكنولوجي من جامعة غرينتش البريطانية وماجستير في الإدارة الثقافية والفنية من جامعة لونبورغ الألمانية المؤلفات : رواية كاشان 2012 2018 رواية الخضر سلسلة سيرة النور والظلام صدر منها حتى الآن أربع آجزاء المتمرد - الغريب - الإسطرلابيات - النظير