
أسهم العقاد في ميدان الإيمان والدين في القرن العشرين بنصيب عظيم، بما تضمنته كتبه عن العبقريات فأعطت مثلا عالية من الأنبياء ورجال الإسلام، فأظهرت فضلهم، وأرست أسس اليقين في نفوس الباحثين عن الإيمان، والضالين قي متاهات الحيرة والشك من أبناء الجيل الحديث. وقد كانت فترة "الحرب العالمية الثانية" وما تلاها مصدر هذه الحيرة والشكوك، كما كانت مصدر خير كبير لهؤلاء التائهين، فقد أصدر العقاد فيها- بجانب كتبه عن الإسلام والمسلمين- كتابه عن "الله" الذى صور نشأة العقيدة الإلهية منذ اتخذ الإنسان رباً إلى أن عرف الله الأحد واهتدى إلى نزاهة التوحيد. وكانت مصدر خير كبير أيضاً بما صدر فيها عن "الفلسفة القرآنية" و "البحث في عقائد المفكرين في القرن العشرين" وإثبات أن الفكر لا يناقض العقيدة، ولكنه يرسيها ويثبتها في نفس الإنسان فيهديه إلى الحقيقة التي هى بنت البحث. "فالتفكير فريضة إسلامية" كما قرر العقاد ودلل عليه فى كتاباته. وكان العقاد فى هذه الفترة يبنى بكتبه ومقالاته بناء متكامل الأساس؛ ثابت الأركان يوضح فيه "الديمقراطية فى الإسلام" ويعلى فيه من شأن "الإسلام فى القرن العشرين" ويدافع عن الإسلام ويبين مؤامرات الاستعمار وكيده للمسلمين. ثم يثبت حقائق الإسلام ويزهق أباطيل خصومه، ويفرد للمرأة كتاباً هو "المرأة فى القرآن الكريم" وللإنسان آخر هو "الإنسان فى القرآن الكريم". كل هذا بجانب دفاعه عن الثقافة العربية واللغة العربية، وفلسفة العرب. وهذا الكتاب "الإسلام دعوة عالمية" والذى قمنا بجمعه لهو مجموعة طيبة من الفصول تتفق مع ما نشر من كتبه مما سبقت الإشارة إليه فى صدر هذا التقديم. وفى هذه الفصول نجد العقاد- كعهدنا به دائماً- يناقش الشبهات التي أثيرت حول الدين والعقيدة، ويتعقبها وينقضها، ويدافع عن الإسلام بالحجة الدامغة. وهذه المجموعة تبدأ بمقالات عن النبى (صلى الله عليه وسلم)، وبأخرى عن رمضان المبارك وفريضة الصوم، وعن العيدين والهجرة. أما بقية المجموعة فهى عن الإسلام وما يتصل به فى القديم والحديث، وما يقال عنه فى الغرب والشرق. ويمكن أن تكون هذه البقية جزءاً مكملاً لكتاب العقاد "مايقال عن الإسلام" الذى صدر فى حياته رحمه الله، والذى تصدى فيه للرد على مايكتبه الغربيون عن الإسلام جهلاً أو قصداً، عائبين ومهاجمين لتاريخه وأحكامه وتشريعه، وصوب بذلك مفاهيم هؤلاء وغيرهم عن الإسلام. وهذ الكتاب يضم إلى بناء العقاد الفكرى الشامخ الذى يتناول الدين والعقيدة والإيمان والإسلام، والذى يملأ القلوب طمأنينة والنفوس ثقة ويقيناً. ثم نترك القارئ لهذا الكتاب يخلو إليه فى روحانية يستجلى معانى الدين والعقيدة ويحيا فى صوفية دينية مباركة، فيزيد إيمانه وقلبه يقيناً، فيسعد فى هذا العالم المضطرب المائج، ويرضى بإيمانه وعقيدته، فيزداد سعادة كلما ازداد إيماناً. محمود أحمد العقاد
Author

ولد العقاد في أسوان في 29 شوال 1306 هـ - 28 يونيو 1889 وتخرج من المدرسة الإبتدائية سنة 1903. أسس بالتعاون مع إبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري "مدرسة الديوان"، وكانت هذه المدرسة من أنصار التجديد في الشعر والخروج به عن القالب التقليدي العتيق. عمل العقاد بمصنع للحرير في مدينة دمياط، وعمل بالسكك الحديدية لأنه لم ينل من التعليم حظا وافرا حيث حصل على الشهادة الإبتدائية فقط، لكنه في الوقت نفسه كان مولعا بالقراءة في مختلف المجالات، وقد أنفق معظم نقوده على شراء الكتب. التحق بعمل كتابي بمحافظة قنا، ثم نقل إلى محافظة الشرقية مل العقاد العمل الروتيني، فعمل بمصلحة البرق، ولكنه لم يعمر فيها كسابقتها، فاتجه إلى العمل بالصحافة مستعينا بثقافته وسعة إطلاعه، فاشترك مع محمد فريد وجدي في إصدار صحيفة الدستور، وكان إصدار هذه الصحيفة فرصة لكي يتعرف العقاد بسعد زغلول ويؤمن بمبادئه. وتوقفت الصحيفة بعد فترة، وهو ماجعل العقاد يبحث عن عمل يقتات منه، فاضطرإلى إعطاء بعض الدروس ليحصل على قوت يومه. لم يتوقف إنتاجه الأدبي أبدا، رغم ما مر به من ظروف قاسية؛ حيث كان يكتب المقالات ويرسلها إلى مجلة فصول، كما كان يترجم لها بعض الموضوعات. منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب غير أنه رفض تسلمها، كما رفض الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة. اشتهر بمعاركه الفكرية مع الدكتور زكي مبارك والأديب الفذ مصطفى صادق الرافعي والدكتور العراقي مصطفى جواد والدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ.