Margins
قصة الفلسفة اليونانية book cover
قصة الفلسفة اليونانية
1935
First Published
4.04
Average Rating
247
Number of Pages

قال الأستاذ أحمد أمين في مقدمة هذا الكتاب: لما عاودت القراءة في الفلسفة بدت مني رغبة في أن أكتب خلاصة ما أقرأ؛ فذلك أدعى إلى وضوح الفكرة في ذهني، وإلى أن يَنتفِع بما انتفعت به غيري. وكان من حسن حظي أن رأيتُ أخي وزميلي الأستاذ «زكي نجيب محمود» يرغب رغبتي، ويتمنى أمنيتي، فتعاونَّا معًا على إخراج هذا الكتاب وتقديمه للقراء. وليس لنا فيه أفكار جديدة ولا آراء مبتكرة؛ فلسنا من علماء الفلسفة المتخصصين لها والمتبحرين فيها. وكل عملنا أننا قرأنا الموضوع في كتب متعددة وأخذنا خلاصتها، وصغناه صياغة أقرب إلى ذهن القارئ العربي، وتخيرنا ما هو أنسب له وأقرب إلى ذوقه. فليس عملنا تأليفًا بالمعنى الدقيق للتأليف، ولا ترجمة بالمعنى الدقيق للترجمة؛ ولذلك اخترنا للدلالة على ما عملناه كلمة تصنيف، فلعلها أدل على القصد، وأصدق في الوصف. راعينا فيه قدر الإمكان وضوح الفكرة، وبساطة التعبير، حتى أسميناه قصة، كما راعينا الاقتصار على أهم المسائل وأصولها دون التوسع في فروعها وجزئياتها. وهذا الكلام حسن الدلالة على هذا الكتاب النافع الجيد، ونرى أن حقيقة الكتاب أكبر مما قضى به «تواضع» الأستاذين في المقدمة؛ فهو أصح الخلاصات عن الفلسفة اليونانية في اللغة العربية، وهو واضح العبارة، حسن الترتيب والانتقاء لما هو أولى بالتدوين في الخلاصات الوجيزة، وهو وافي المراجع، كثير الأصول، بل ربما كانت مراجعه وأصوله أكثر مما هو لازم لكتاب في حجمه، وسيحبب الفلسفة إلى قرائه، ويرغبهم في استقصاء المطولات ومتابعة التفكير في هذه المسائل، ويؤدي واجبًا لا بد من أدائه في نهضة الثقافة الحديثة بالبلاد العربية. ولنا ملاحظة خاصة بعد هذه الملاحظة العامة نبديها على النمط الذي قرر به الأستاذان ابتداء الفلسفة في بلاد اليونان، فقد قالا في الصفحة السادسة عشرة: نعم كان في مصر طائفة كبيرة من العقائد تدور حول النفس وما يطرأ على الحياة بعد الموت، ولكن لم يَثبُتْ إنْ كان لديها من العلوم الإيجابية النظرية شيء كثير. ولو عرف المصريون كثيرًا من علوم الرياضة لما رأينا في كتب فيثاغورس محاولات أولية للهندسة، مع العلم بأن عهده في التاريخ جاء بعد اتصال اليونان بالمصريين اتصالًا وثيقًا، واستمدادهم من المصريين بعض معارفهم وحضارتهم، فليست القواعد العملية التي استعملها المصريون في أغراضهم كقياس الأرض وبناء الأهرام هي العلم الذي قصده كورنيكس، وجاليليو، وكبلر، ونيوتن. لم تستمد الفلسفة اليونانية أصولها من تلك الأمم القديمة، ولكن خلقها اليونان خلقًا وأنشئوها إنشاءً، فهي وليدتهم وربيبتهم، وليس في ذلك ريب ولا شك. ويستطيع الباحث أن يرجع بالفلسفة خطوة بعد خطوة حتى يصل إلى مهدها في بلاد اليونان دون أن يشعر خلال البحث بحلقة مفقودة أو غامضة. ونحن إذا ذكرنا بلاد اليونان في هذا المقام لا نقصر هذا الاسم على هذه البلاد التي تسمى به اليوم فحسب، إنما نضيف إليها المستعمرات اليونانية — وهي في الواقع مهد الفلسفة — فقد بسط اليونان نفوذهم ونشروا سلطانهم في آسيا الصغرى، وجزيرة صقلية، وجنوبي إيطاليا، وجزء من شمالي أفريقيا. في تلك المستعمرات ولدت الفلسفة وشبَّت قبل أن تنتقل إلى أرض اليونان نفسها. فهذا التقرير على صحته في الجملة لا يورَد في كتاب فلسفي على هذا النمط، ولو كان مؤلفه من غير المصريين أو الشرقيين على أوسع تعميم؛ لأن إيراد حكم بغير تعليل يناقض الفلسفة التي نعرفها لنعرف أسباب الأشياء، ونمنع بها إلقاء الأحكام بلا قياس. فليست النحيزة المصرية وحدها هي التي تقضي على مؤرخ الفلسفة أن يعلل انفراد اليونان بالتفكير الفلسفي في العصور القديمة، وإنما الفلسفة نفسها هي التي توجب هذا التعليل وتمنع إرساله على هذا النحو المعطل للتفكير. وعندنا — كما أسلفنا في بعض كتاباتنا — أن اليونان لم ينفردوا بالفلسفة قديمًا لأن الفكر الإنساني فيهم «نوع مستقل» يخالف نوع الفكر الإنساني في جملة مزاياه، ولكنهم انفردوا بها لأنهم أمة ضعيفة لم تنشأ فيها دولة قوية مستقرة، وهم مع ذلك مقيمون في العمار غير مرتحلين كما يرتحل أبناء القبائل البدويون. فالمصريون نشأت لهم دولة قوية، فنشأت مع الدولة كهانة قوية، ومن دأب الكهانات القوية أن تسيطر على العقائد والمباحث في أصول الأشياء؛ لأن هذه المباحث تمس — أول ما تمس — جوهر الدين والاعتقاد بالخلق والخالق والفرائض والعبادات؛ فيستولي الكُهَّان على مذاهب التفكير ويصبغونها — كما هو شأنهم — بصبغة المراسم الموروثة والشعائر المقدسة، ويخرجون بها من عالم الفلسفة الطلقة إلى عالم الحدود والحُرُمات الممنوعة. أما اليونان فلم تكن لهم دولة مستقرة، ولم ينشأ عندهم ما يمنع انطلاق الأفكار في وجهتها الفطرية التي فطر عليها جميع الناس، ولو نشأت عندهم الدولة، ونشأت مع الدولة الكهانة؛ لما خاض فلاسفتهم وحكماؤهم فيما خاضوا فيه، واستأثر بأمره جماعة الكهان والسدنة في الشعوب الأخرى. وآية ذلك أن اليونان — والغربيين عامة — أحجموا عن خوض المباحث الفلسفية حين قامت بينهم الكهانة القوية في بيزنطة وروما، وسيطرت على مذاهب الفكر، وأدخلت كل رأي وكل علم وكل فن في حظيرة الدين. فحالة الغربيين في ظل الكهانة الغالبة لم تكن تختلف عن حالة المصريين الأقدمين أو الفرس أو الهنود أو الكلدان؛ حيث تجري الأنهار، ويستقر العمران، ويتوطد الملك ومعه سلطان الكهانات. وكذلك شاع التفكير لحب التفكير، والبحث في العلوم لحب العلوم حين قامت بين الشرقيين دولة كالدولة العباسية لا تقترن بها كهانة كالتي كانت تقترن بالأديان الأخرى؛ فاخترع العرب والشرقيون ما اخترعوه، وكشفوا ما كشفوه في علوم الطبيعة والفلك والرياضة، كما كان اليونان الأقدمون يخترعون ويكشفون. تلك هي العلة ولا علة غيرها. قد يروق المؤرخين للفلسفة بين الغربيين أن يسكتوا عنها ولا يحرصوا على نشدانها؛ لأنهم يبنون على انفراد اليونان بالفلسفة دعوى تشرف عنصرهم، وتعظم عقولهم وطبائعهم، ويتخذون منها برهانًا على رجحان يزعمونه في معدن العقول الغربية على معدن العقول الشرقية من قديمة وحديثة، ...

Avg Rating
4.04
Number of Ratings
381
5 STARS
35%
4 STARS
41%
3 STARS
19%
2 STARS
4%
1 STARS
2%
goodreads

Author

Zaki Naguib Mahmoud
Zaki Naguib Mahmoud
Author · 23 books

ولد زكي نجيب محمود عام 1905، في بلدة ميت الخولي عبد الله، بمحافظة دمياط. تخرج من كلية المعلمين العليا بمصر، عام 1930. في عام 1933 بدأ في كتابة سلسلة من المقالات عن الفلاسفة المحدثين في مجلة الرسالة. وفي عام 1936 سافر إلى إنجلترا في بعثة صيفية لمدة ستة شهور. وفي عام 1944 سافر إلى إنجلترا للدراسات العليا. وبعد عام واحد حصل على البكالوريوس الشرفية في الفلسفة من الدرجة الأولى من جامعة لندن (وكانت تحتسب في جامعة لندن آنذاك بمثابة الماجستير لكونها من الدرجة الأولى). عام 1947 حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة لندن (كلية الملك) في موضوع (الجبر الذاتي)، بإشراف الأستاذ هـ.ف. هاليت. (وقد ترجم البحث إلى اللغة العربية الدكتور إمام عبد الفتاح بنفس العنوان عام 1973). عاد إلى مصر عام 1947 والتحق بهيئة التدريس بقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة (جامعة فؤاد الأول آنذاك). سافر عام 1953 إلى الولايات المتحدة أستاذاً زائراً ومحاضراً في جامعتين بها حيث قضى فصلاً دراسياً في كل منهما. وبعد عام اختير مستشاراً ثقافياً لمصر بالولايات المتحدة لمدة عام. في عام 1956 تزوج من الدكتورة منيرة حلمي، أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس. سافر إلى الكويت أستاذا بقسم الفلسفة بجامعتها لمدة خمس سنوات (حتى 1973). عام 1973 بدأ كتابة سلسلة المقالات الأسبوعية في جريدة الأهرام. نال جائزة التفوق الأدبي من وزارة المعارف (التربية والتعليم الآن)،عام 1939. نال جائزة الدولة التشجيعية في الفلسفة من مصر على كتابه الصادر بعنوان "نحو فلسفة علمية" عام 1960. نال جائزة الدولة التقديرية في الأدب من مصر عام 1975، وفي عام 1984 نال جائزة الجامعة العربية "للثقافة العربية" من تونس.1985 حصل على درجة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأميركية بالقاهرة.

548 Market St PMB 65688, San Francisco California 94104-5401 USA
© 2025 Paratext Inc. All rights reserved