
النيل والفرات: أمر الله تعالى المسلم أن يتعبد بما شرعه له في كتابه، وبما جاء في سنة رسوله الصحيحة، وما تفرع عنهما من أحكام. ولما كان الوصول لمعرفة كل الأحكام غير متيسر لكل إنسان، فقد امتن الله تعالى على الناس بعلماء من الصحابة والتابعين من بعدهم، تفقهوا في دين الله، وتعمّقوا في فهم النصوص الواردة في كتاب الله وسنة رسوله وأظهروا للناس ما فيها من أحكام، ولقد كان من المعتاد أن تختلف بعض أقوالهم، وتعدد فتاواهم في المسألة الواحدة، فلم يجدوا، ولم يجد الناس في القرون الأولى التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذه الاختلاف ما يوجب أو يبيح طعن بعضهم بعضاً، وإنما أخذ كل مسلم القول الذي رآه مع الدليل وعمل به. ثم جاء بعد ذلك من تعصب لبعض الأقوال، ووالى أصحابها، ونسب لهم من صفات المدح ونعوت الكمال ما هم يعني عنه، ونسب لغيرهم من النقائص ما هم منزهون عنه، وقد انتهز هذا الخلاف أعداء هذا الدين فراحوا يثيرون الخلاف، ويباعدون الشقة، فكان من جراء ذلك أن تفرقت الأمة شيعاً وأحزاباً، وفرقاً ومذاهب، فكثر الجدال وقل العمل، وقد تنبه عدد من العلماء العاملين إلى هذه الأخطار فقام كل واحد منهم في مكانه وزمانه ببذل الجهدين جمع الشتات وإعادة الناس إلى الأصل، ومن أعظم هؤلاء المتنبهين شيخ الإسلام "أحمد ابن تيمية المراني الدمشقي"، الذي قام في أواخر القرن السابع الهجري، يجدد لهذه الأمة دينها، بتنقية الفكر من العقائد والفلسفات التي تسربت إلى بعض العقول من الاتصال بالوثنية والفلسفات اليونانية، بمؤلفات قيمة فنّد فيها كل هذه العقائد، وفضح أصحابها الذين كانوا يحاولون إخضاع الإسلام إلى هذه الفلسفات... ومن أبرز أعماله في جمع الناس على الكتاب والسنة قيامه بتأليف هذه الرسالة القيمة في بابها، العظيمة في موضوعها، التي يبين فيها الواجب الذي يقع على عاتق المسلمين والذي يتجلى في وجوب موالاتهم للمؤمنين والعلماء، كما وينفي فيها وجود إمام مقبول في الأمة ومتبع لدينها الإسلامي يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من سنته كما ويقول فيها أنه لا يسوغ لمسلم أن يطعن في واحد منهم أو يحط من شأنه. وأنهم جميعاً متفقون اتفاقاً يقينياً على وجوب اتباع ما صحّ من النصوص وسلم من المعارضة، وأنه لا يجوز تقديم قول أحدهم على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بسط الأسباب التي دعت هذا المجتهد إلى عدم الأخذ بالنص، والتمس العذر له، ثم ذكر أن عذر كل إمام ليس عذراً للمقلد، إن تبيّن أو بيّن له الحق. كما بيّن حال العامي، وأن مذهبه مذهب مفتيه، وأن عليه التقليد ما دام جاهلاً، وهذا كله للجاهل الذي يفرق بين اليمين والشمال!!
Author

شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله Shaykh Al Islam Taqiuddin Ahmed Abdul Halim Ibn Taymiyyah هو الإمام المجتهد شيخ الإسلام، تقي الدين أبو العباس أحمـد ابن عبد الحليـــم بن عبد الســلام بن عبــد الله بن الخضـــر بن محمـــد ابن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني. ولد بحَرَّان يوم الاثنين عاشر ربيع الأول، سنة إحدى وستين وستمائة، ونشأ في بيئة علمية، فكان جده أبو البركات عبد السلام ابن عبد الله، صاحب كتاب : (المنتقى من أخبار المصطفى صلى الله عليه و سلم)، من أئمة علماء المذهب الحنبلي، ووالده من علماء المذهب، اشتغل بالتدريس والفتوى، وولي مشيخة دار الحديث السكرية حتى وفاته. انتقل مع أسرته إلى دمشق على إثر تخريب التتار لبلده حران، وهو ابن سبع سنين، وبدت عليه مخايل النجابة والذكاء والفطنة منذ صغره، فحفظ القرآن في سن مبكرة، ولم يتم العشرين إلا وبلغ من العلم مبلغه، ذكر ابن عبد الهادي في ترجمته : أن (شيوخه الذين سمع منهم أكثر من مائتي شيخ، سمع مسند الإمام أحمد بن حنبل مرات، وسمع الكتب الستة الكبار والأجزاء، ومن مسموعاته معجم الطبراني الكبير، وعُني بالحديث، وقرأ ونسخ وتعلم الخط والحساب في المكتب، وحفظ القرآن، وأقبل على الفقه، وقرأ العربية على ابن عبد القوي، ثم فهمها، وأخذ يتأمل كتاب سيبويه، حتى فهم في النحو، وأقبل على التفسير إقبالاً كليًا، حتى حاز فيه قَصَب السَّبق، وأحكم أصول الفقه وغير ذلك، هذا كله وهو بعد ابن بضع عشرة سنة، فانبهر أهل دمشق من فرط ذكائه، وسيلان ذهنه، وقوة حافظته، وسرعة إدراكه) . أفتى وله تسع عشرة سنة، وشرع في التأليف وهو ابن هذا السن، وتولى التدريس بعد وفاة والده، سنة 682هـ بدار الحديث السكرية، وله إحدى وعشرون سنة، حتى اشتهر أمره بين الناس، وبعد صيته في الآفاق، نظرًا لغزارة علمه وسعة معرفته، فقد خصه الله باستعداد ذاتي أهّله لذلك، منه قوة الحافظة، وإبطاء النسيان، فلم يكن يقف على شيء أو يستمع لشيء إلا ويبقى غالبًا على خاطره، إما بلفظه أو معناه. ففي محنته الأولى بمصر، صنف عدة كتب وهو بالسجن، استدل فيها بما احتاج إليه من الأحاديث والآثار، وذكر فيها أقوال المحدثين والفقهاء، وعزاها إلى قائليها بأسمائهم، كل ذلك بديهة اعتمادًا على حفظه، فلما روجعت لم يعثر فيها على خطأ ولا خلل. قضى حياته في التدريس والفتوى والتأليف والجهاد، فكانت تفد إليه الوفود لسماع دروسه، وتَرِدُه الرسائل للاستفتاء في مسائل العقيدة والشريعة، فيجيب عليها كتابة.. ترك ثروة علمية تدل على غزارة علمه وسعة اطلاعه، وتكامل إدراكه لأطراف ما يبحثه واستوائه لديه، ومن ذلك مسائل علم الكلام ومباحث الفلسفة، فهو يناقش المتكلمين والفلاسفة بأدلتهم، وينقد مناهجهم، ويبطل حججهم بثقة وعلم، ذكر ابن عبد الهادي أن مصنفاته وفتاواه ورسائله لا يمكن ضبط عددها، وأنه لا يَعلم أحدًا من متقدمي الأمة جمع مثل ما جمعه، وصنف نحو ما صنفه. شارك في معركة شقحب، التي وقعت بين أهل الشام والبُغاة من التتار، بقرب دمشق في شهر رمضان سنة 702هـ، وانتهت بانتصار أهل الشام ودحر التتار، الذين أرادوا بسط نفوذهم في الشام، وتوسيع سلطتهم على أطرافها، وقد ضرب ابن تيمية في هذه المعركة أروع مثال للفارس الشجاع. بقية سيرة الإمام: http://bit.ly/18yDZhP Shaykh-ul-Islaam Taqee-ud-Deen Abul-'Abbaas Ahmad ibn Abd-il-Haleem ibn Abd-is-Salaam ibn Taymeeyah was born in, 661 AH (1263 CE) in Haran, which is now in Eastern Turkey, near the border of northern Iraq. His family had long been renowned for its learning, among his teachers, was Shams ud-Din Al-Maqdisi, first Hanbali Chief Justice of Syria following the reform of the judiciary by Baibars. The number of Ibn Taymeeyah's teachers exceeds two hundred. Ibn Taymeeyah was barely seventeen, when Qadi Al-Maqdisi authorized him to issue Fatwa (legal verdict). Qadi remembered with pride that it was he who had first permitted an intelligent and learned man like Ibn Taimiyah to give Fatwa. At the same age, he started delivering lectures. When he was thirty, he was offered the office of Chief Justice, but refused, as he could not persuade himself to follow the limitations imposed by the authorities. Imam Ibn Taimiyah's education was essentially that of a Hanbali theologian and jurisconsult. But to his knowledge of early and classical Hanbalism, he added not only that of the other schools of jurisprudence but also that of other literature. He had an extensive knowledge of Quran, Sunnah, Greek philosophy, Islamic history, and religious books of others